جاسوس , أواخر تسعينيات القرن الماضي في حدود العام 1998 استقر عابد الجراح في حي جلون الوصيف في صور الغزلان.
وقتها كانت الجزائر تهم بالخروج من عشريتها السوداء الناس حزينون لا تعوزهم المبررات.
كثيرون هم الذين قتلوا وكثيرون هم الذين اختفوا و ليسوا أقل كسرة أولئك الذين اختاروا طريق الجمعات المسلحة .
و مع ذلك استطاع عابد أن يقنع الناس في حي جلون الوصيف الفضوليين من بينهم بأنه ينحذر من صور الغزلان.
جاسوس يقنع اهل الحي أنه حلاق من أهلهم .
و أن والديه رحلا عن حي جلون الوصيف لما كان في الرابعة من عمره, والده الذي لا ينكر الناس معرفته كان يعمل حارسا في مدرسة الحي .
و انتقل في العام 1978 للعمل في البويرة اكترى عابد الجراح الشاب ذو الأربعة و عشرين ربيعا مرآبا في منزل يشرف على الشارع الرئيس في الحي.
و جعله محل حلاقة وضع فوق الباب لوحة كتب عليها حلاقة صور الغزلان العصرية وقتها فقط اكتشف بعضهم أن عابد كان يمتهن الحلاقة .
و قد اثبت مهارته في رؤوس زبائنه الأولين الذين دخلوا محله عن طريق الصدفة أو قصد اختبار مهارته في الحلاقة .
يحرص الشاب على أن يبدو أنيقا حليق الذقن ينتقي من الملابس الأكثر جذبا للشباب. خلال أسابيع قليلة بدأ محل عابد يجلب الزبناء من أحياء أخرى من صور الغزلان كانت أوقات الإنتظار مساحات زمنية للثرثرة.
كما يحدث في اغلب محلات الحلاقة و كذلك أذيعت أسرار و عرفت أخبار و سرى حديث عن الذين اختفوا من أهل المدينة و عن الذين التحقوا بمقاتلي الجماعة السلفية للدعوة و القتال.
و حين يخلو المحل من أولئك الذين يصنفون غرباء تساق روايات عن قتل حدث في الأخضرية و خطف في البويرة و عن أشياء كثيرة.
في وقت وجيز استطاع هذا الشاب العائد إلى صور الغزلان أن يتحول إلى محور من محاور حياتي في حي جلون الوصيف.
كانت ضربات مقصه تحدث إيقاعا يسمع على بعد عدة أمتار من المحل.
تبدأ صباحات حلاقة صور الغزلان العصرية بقرآن مرتل و بعد الضحى هي موسيقى جزائرية شعبية تأتي من الراديو كاسيت في الواجهة السوداء .
المساء بأغاني أم كلثوم و وردة لما توطدت علاقات عابد الجراح مع صاحب المنزل استاجر منه الطابق الأول .
حيث كان يسكن ضابط شرطة انتقل للعمل في غيديزان و كذلك صار يمضي أوقاتا أطول في محله.
ثم من حين إلى آخر كان يستضيف رجالا يأتون من خارج صور الغزلان لم يكن في الأمر ما يلفت الإنتباه و إن كان البعض يتساءل عن السر في كون ذاك الشاب الوسيم لم يتزوج.
و قد أنهى الآن العام الخامس و العشرين من عمره آخرون أكثر فضولا لاحظوا أنه منذ أن استقر في حي جلون .
الوصيف لم يغادره إلا مرات معدودات حين كان يمضي إلى السوق المركزي لشراء ما يحتاج إليه من أدوات الحلاقة .
كانوا يتسائلون باستغراب عن السر وراء قدرة هذا الشاب على لزوم صور الغزلان بينما هم الذين في مثل سنه لا زال يراودهم و يوقع بهم البحث عن المغامرة و عن الملذات.
صحيح أن تلك العشرية بما واكبها من رعب كانت تسني الناس عن الحركة ذكريات الحواجز الأمنية الزائفة قريبة و ممارسات الجماعات المسلحة لم تختفي بالكامل بعد .
و مع ذلك فإن حالة حلاق حي جلون الوصيف تبعث على التساؤل و على الشك و الريبة عدا ذلك لم يكن في سلوك عابد ما يجعله متهما في أعين الناس.
ذات صباح من أكتوبر من العام 2000 كان قد مر عامان على استقرار عابد في صور الغزلان جاءه رجل لم يسبق له أن رآه لعله زبون جديد .
و لعله عابر سبيل تذكر أن عليه أن يعتني بشعره كان رجلا خمسينيا قوي البنية تميل قامته إلى القصر و في وجهه شاربان كثان يبدو أنه دأب على صباغتهما إذ لم يكن بهما أثر من شيب.
جلس الرجل ينتظر دوره إذا كان مقص عابد يحتفي بشعر زبون شاب كان العرق يضفي على جبهته لمعانا أخذ مجلة قديمة.
تشهد أوراقها التي نزعت إلى الإصفرار بزواياها التي انتنت أنها خرجت من المطبعة منذ زمن بعيد في صمت تصفحها .
و لما فرغ عابد من رأس الزبون الشاب و ما إن انصرف بعد أن دفع نهض الرجل القصير من مكانه و تقدم نحو الكرسي ذي الرجل الأسطوانية البيضاء ما إن استوى عليه و بينما جاء عابد بوزرة من مشجد من زاوية المحل باذره الزبون الغريب أنت عابد أليس كذلك ؟
نظر إليه و عجل بالرد نعم أنا عابد هل من خدمة أريد أن أقصر شعري و أن أحلق ذقني و أشذب شاربي .
النبرة التي كان يتكلم بها ذو الشاربين الكثين تشي بأن ورائه شيئا ما خبرا ما أو سرا يحمله في نهاية الأمر تلك ظنون لا ينبغي له أن ينسى قمعها.
بدأ المقص يعزف ذاك الإيقاع المميز بينما بدى الزبون و قد دخل حالة من الاسترخاء كان عابد ينتظر منه أن ينطق بما ورائه هو يعلم أنه لن يتأخر في ذلك لما فرغ من قص شعره و بينما كان يعد الموس ليحلق ذقنه .
عاوده بسؤال أنت عابد ولد رمضان أليس كذلك فليرحمه الله نعم أنا ولده رمضان الجراح نعم رمضان الجراح لم أعلم بوفاته متى حدث ذلك منذ سبع سنوات.
لحظة القبض على الجاسوس عابد الجراح.
صمت الزبون بينما جاء عابد بفرشاة بها رغوة ناصعة البياض و سارع إلى نشرها على ذقن و خدي الرجل القصير الذي عاودته حالة الاسترخاء.
ثم لما اطمأن إلى أن وجه زبونه قد لان أديمه جاء بالموس و راح يحلق لم يتردد حين بلغ أعلى الذقن ان يمسكه من أنفه و قد كان يسايره خيم الصمت.
و بدأ عابد يشتغل على الشاربين الكثين كان عليه حتى لا يغضب هذا الزبون الطارئ أن يحسب جيدا ضربات المقص ظل الزبون ذو الجبهة التي تلمع عرقا ساكتا.
حتى انتهى عابد إذ ذاك نطق عافاك الله حلاق ماهر شكرا سيدي إسمي "بو العجول" شكرا سيدي بو العجول و هل كنت تعرف والدي نعم كان حارسا في المدرسة أليس كذلك هو كذلك.
في تلك الأثناء دخل المحل رجلان أغلق أحدهما الباب بينما أخرج الآخر اصفادا .
وضعها بلا مقدمات في معصمي عابد ثم تغير خطاب ذاك الذي ينزع إلى القصر يبدو الآن أكثر أناقة بعد أن مشط عابد شعره و شذب شاربيه و حلق ذقنه كانت بخطوط و جهه قساوة و صرامة.
تقدم نحوه و قال بنبرة فيها هدوء مريب لن ندع لك مجالا إضافيا للكذب نحن نعرف من تكون و حتى نمكنك من اختصار الطريق فقد اعترف أحد رفاقك هناك في البويرة بكل شيء .
علمنا منه أنك منذ أربع سنوات انتحلت شخصية عابد ابن رمضان الجراح ذاك الشاب الذي قتلته مع آخرين عند حاجز أمني زائف أقامته عصابتك في أطراف البويرة .
لست أدري عمن تتحدثون و من أنتم نتحدث عما سمعت نحن من الأمن ولدينا كل تلك التقارير التي كنت تبعث بها إلى ذاك الذي تسمونه أميركم بالمناسبة لقد تمكنا من تصفيته قبل أن نأتي إلى صور الغزلان .
اقتيد عابد بعد أن وضع على رأسه غطاء أسود و لما بلغوا الوجهة التي كانوا يقصدونها و التي لم يستطع أن يحددها أدخل مكتبا به كرسي واحد و قد تدلى من سقفه مصباح لا غطاء له و بدأ الاستنطاق ظل متماسكا .
نفي ما ينسب إليه حتى أدخل عليه رجل يبدو في مستهل الستينات سمعه يقول للمحققين انه هو كان الرجل.
هو رمضان أبو عابد الجراح لم يكن الذي أمامه مقيدا على ذلك الكرسي اليتيم وسط الغرفة سوى عياش"عياش بو كدرة" ابن الجيران .
الذي التحى و اختفى في أواسط التسعينيات كان ظهوره الأول في ذاك الحاجز الزائف الذي قتل فيه عابد عابد.
الذي لعب معه الكرة في الحي و كان زميله في المدرسة قال الناجون من ذاك الحاجز الزائف إن عياش هو الذي ذبحه.