تدخل حالة التدفق أحد الأهداف المرجوّة في عملية الإنتاج والإبداع، حيث يعكف الفرد على تحقيق تركيز عميق وتفاعل إيجابي مع النشاط الذي يمارسه. تكمن قوة هذه الحالة في قدرتها على زيادة الإنتاجية والإبداعية، ويصبح الشخص مشغولًا بما يفعله بدرجة تجعله يشعر بالارتياح والتحسن العام في مزاجه ومهاراته.
فهم حالة التدفق-دليلٌ شامل للوصول إلى أعلى مستويات الإنتاجية.كيف تدخل حالة التدفق - للوصول إلى أعلى مستويات الإنتاجية
ربحت لاعبة تنس مجموعتها الثانية على التوالي. والآن تشعر وكأنها يمكنها التنبؤ بخطوة خصمها التالية. يعمل موسيقيٌ ما على إتقان لحنٍ، ولا ينزعج من الأخطاء لأنه يعزف نفس البارات الموسيقية الأربعة بشكل متكرر. لم تستيقظ العالمة على صوت منبهها الصباحي من الغرفة المجاورة، لأنها قامت بتحليل البيانات طوال الليل.
بينما ينغمس كل واحدٍ من هؤلاء في نشاط مختلف، يتطلب مهاراتٍ وخبراتٍ محددة، يسترسل جميعهم بالأنشطة التي يقومون بها — يشعرون بحالةٌ ذهنيةٌ فريدة حيث يمارسون نشاطاً ما بلا عناء.
وعلى الرغم من أنك قد لا تكون عالماً أو رياضياً محترفاً، أي شخص يمكن أن يسترسل بنشاطٍ ما. هذا شيءُ جيد، لأن الذين يسترسلون عند القيام بشيءٍ ما بشكلٍ متكرر، يشعرون بمستوياتٍ أعلى من المشاعرالإيجابية والإبداع والشعور بالإنجاز. علاوةً على ذلك، ربطت الأبحاث بين الإسترسال و زيادة الإنتاجية، والتعلم المعزز والتحصيل الدراسي.
تعريف الإسترسال في حياتنا اليومية
لكن ما هو الاسترسال بالضبط؟ وكيف يمكن أن نجده في حياتنا اليومية؟ الإسترسال هو أكثر من مجرد التركيزعلى أو الاهتمام بشيءٍ معين. يعرف علماء النفس الشعور بالإسترسال بأنه نوعٌ جديدٌ من الوعي مع العديد من الميزات الخاصة به.
أولاً، يميل الذين يختبرونه إلى الشعور بأنهم منخرطون في مهمةٍ ما دون جهد، و بأن الوقت يطير. ليس من السهل تشتيت انتباههم. على عكس الشعور بدورات المماطلة، عندما تشعر أنه من المستحيل أن تقوم بنشاطٍ ما، عند استرسالك بشيءٍ ما يصعب عليك التوقف.
يميل الإسترسال أيضًا إلى تقليل مشاعر القلق أو النقد الذاتي، مما يؤدي بدوره إلى تعزيز الإبداع. يشعر الأشخاص بأنهم أصبحوا كياناً واحداً مع النشاط الذي يقومون به. مما يفسح المجال لأعلى درجات الأداء.
أظهرت أيضاً دراسات التصوير الدماغي أن الإسترسال مصحوبٌ بتغيراتٍ في النشاط العصبي، خاصةً في مناطق الدماغ التي تلعب دورًا في الإنتباه والإدراك والوعي الذاتي، وعلى الرغم من وجود عقودٍ من الأبحاث، لا تزال هناك أسئلةٌ كثيرة: كيف تقارن الأدمغة عند الإسترسال بشيءٍ ما مع أدمغة من هم في حالات أخرى من الوعي، كالتأمل مثلاً؟
هل الإسترسال الناتج عن الأنشطة البدنية مثل الرياضة يستعمل نفس مناطق الدماغ التي تستعملها المهام العقلية، مثل الكتابة أو الرياضيات؟ لا يزال العلماء يعملون لفهم سبب وجود أنشطةٍ معينة تدفعنا للاسترسال بها أكثر من غيرهن.
رغم أننا لا نعرف على وجه اليقين، إلا أن هناك عدة نظريات. على سبيل المثال، يسترسل الأشخاص أكثر عند قيامهم بأشياء يجدونها محفزةً بحد ذاتها، كالأنشطة التي يجدون فيها غاية أو معنى أو متعة. قد يشمل هذا المشاركة في هواية مفضلة، ولكن أيضًا إتمام مهام العمل الممتعة، أو دراسة المواضيع التي تثير اهتمامهم أو حتى القيام بالأعمال المنزلية الممتعة.
وبالمثل، قد يكون من الأصعب أن تسترسل في المهام التي تقوم بها لأنك مجبرٌ على فعلها ليس لأنك ترغب في ذلك. تشير أبحاثٌ أخرى إلى أن موازنة مستوى المهارة مع التحدي الذي يمثله النشاط هو المفتاح للإسترسال به. أي أنه إذا كانت المهمة سهلةً للغاية، قد يتشتت انتباهك أو قد تشعر بالملل.
تحفيز الإبداع والتركيز: السرُّ للوصول إلى حالة التدفق.
أما إذا كان الأمر صعباً للغاية، فقد تفقد عزيمتك. فمثلاً تحافظ لعبة تيتريس الكلاسيكية الساحرة، على توازن مستويات تحدي المهارات، عن طريق زيادة سرعة سقوط القطع كلما تحسن أداء اللاعبين في اللعبة. ومع ذلك، تشير دراساتٌ أخرى إلى أن العامل الأهم هو أن يكون للأنشطة أهدافٌ واضحة.
تفسح لك المجال لتقييم التقدم الذي أحرزته على طول الطريق. يمكنك مثلاً عند التدرب على عزف أغنيةٍ ما قياس تحسن أدائك كلما عزفت النوتات. قد يكون هذا هو السبب الذي يجعل الناس يسترسلون في ألعاب الحظ، رغم أن تلك الألعاب لا تتطلب أي مهارة.
قد تكون الاستجابة اللحظية كافية لتحفيز الاتصال العميق مع اللعبة. مع أنه لا يمكن لأحد هذه الشروط لوحده ضمان الشعور بالإسترسال، هناك خطواتٌ يمكنك القيام بها لزيادة فرصك:
- جد لنفسك بيئةً هادئةً خاليةً من الأصوات أو الأجهزة التي تشتت الانتباه.
- قسّم مهامك إلى شرائح صغيرة ومحددة يسهل تتبعها والتعلم منها.
- حدد أهدافاً واضحة تتحدى مهاراتك من دون إحباط.
إذا
وجدت المهمة مملةً قم بتعيين شروطٍ إضافية لجعلها ممتعة. على سبيل المثال، عند
تنظيف الأطباق حاول إنهاء تنظيفهم جميعًا في فترةٍ زمنيةٍ معينة. و أثناء الجري، حاول
مواكبة إيقاع الأغنية. والأهم من ذلك، وربما الأكثر إحباطًا، لا تحصر تفكيرك
كثيراً بالإسترسال. هذا النوع من الإلهاء قد يمنعك من العثور عليه..
أسئلة وأجوبة حول التدفق:
كيف تدخل في حالة التدفق؟
عندما تدخل في حالة التدفق، فإنك تنغمس بالكامل في النشاط الذي تقوم به بحيث تصبح مركز اهتمامك وتشعر بتفاعل طبيعي وسلس. يُعرف هذا الشعور أيضًا باسم "التركيز الكامل"، وهو حالة تنسجم فيها المهارة والتحدي بشكل مثالي.
للدخول في حالة التدفق، يمكنك اتباع هذه الخطوات:
- تحديد هدف واضح: حدد المهمة أو النشاط الذي ترغب في الانغماس فيه وتجعلك تشعر بالراحة والاهتمام.
- تحديد مستوى التحدي: يجب أن يكون المهمة متحديّة بما يكفي لكنها في نفس الوقت لا تكون صعبة للغاية بحيث تثير الإحباط.
- توفير بيئة ملائمة: حاول البقاء في مكان هادئ وخالٍ من الانشغالات والمؤثرات الخارجية التي تشتت تركيزك.
- التركيز الكامل: ركز تمامًا على المهمة بدون تشتت الانتباه. قم بتجنب التفكير في الأمور الأخرى وضع جميع جهودك في المهمة الحالية.
- الاستمتاع بالعمل: حاول أن تستمتع بالنشاط وتحافظ على رغبتك في إنجازه. انغمس في تجربة العمل نفسه بدلاً من التفكير في النتيجة المحتملة.
- التحكم في التحديات: تعلم كيف تتعامل مع التحديات أو الصعوبات التي قد تواجهك أثناء العمل، وحاول تجاوزها بطريقة إيجابية.
- ممارسة النشاطات المحببة: اختر الأنشطة التي تستمتع بها وتشعر بالراحة وتعزز من مهاراتك، فهذا سيجعل من السهل الدخول في حالة التدفق.
تذكر أن حالة التدفق ليست مضمونة 100% في كل مرة، وقد تتأثر بالعوامل الخارجية والداخلية. لكن مع التدريب والممارسة، يمكنك زيادة فرص الانغماس في حالات التدفق واستمتاعك بالأنشطة التي تقوم بها.
ما هي حالة التدفق؟
حالة التدفق هي حالة نفسية تُصف بالانغماس الكامل في نشاط أو مهمة معينة، وتكون خلالها المهارات والتركيز في أوجهما، مما يؤدي إلى شعور بالتحقق والسعادة. تُعتبر حالة التدفق تجربة فريدة ومثالية، حيث يكون الشخص متحمسًا ومركز الانتباه تمامًا على المهمة الحالية.
يمكن أن تحدث حالة التدفق عند ممارسة الأنشطة الرياضية، أو عند العمل على مشروع ملهم، أو حتى عند التفاعل مع الفنون أو الأنشطة الإبداعية. تحدث هذه الحالة عندما يتوافق تحدي المهمة مع مستوى مهارات الشخص، وتكون الأهداف واضحة، والتركيز متواصل بدون تشتت.
تتميز حالة التدفق بالعديد من العلامات الواضحة مثل:
- التركيز العميق والمركز على المهمة.
- الشعور بالرغبة المستمرة في تحقيق التحديات.
- فقدان الشعور بالزمن أو الوقت الفعلي.
- الشعور بالتحفيز والسعادة الداخلية.
- عدم الإحساس بالتعب أو الإرهاق.
تعتبر حالة التدفق تجربة ممتعة ومرضية، وتساهم في زيادة الإنتاجية والرضا عن الذات. من الجيد أن نسعى للوصول إلى حالة التدفق في حياتنا لتحسين تجاربنا وإثراء حياتنا بالمعنى والسعادة.
خاتمة:
في نهاية هذا الرحلة إلى عالم حالة التدفق، يجد الفرد نفسه في تصاعد لا ينتهي من الإبداع والتركيز، حيث تصبح العملية نفسها هدفًا ممتعًا ومحفزًا. يمكن أن تحدث حالة التدفق في أي جانب من جوانب الحياة، سواءً في العمل، أو الرياضة، أو الفنون، أو الهوايات. لذا، دعونا نسعى دومًا لخلق بيئة ملائمة تشجع على هذه الحالة الرائعة ونكن على استعداد لاستقبالها بذراعين مفتوحين.